فصل: سؤال: من المخاطب في الآية الكريمة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ}.
أي: من اليهود والنصارى: {بِكُلِّ آيَةٍ} أي: برهان قاطع أن التوجه إلى الكعبة هو الحق: {مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} أي: هذه التي حوّلت إليها؛ لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بإيراد الحجة، إنما هو عن مكابرة وعناد، مع علمهم بما في كتبهم من نعتك أنك على الحق، وقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} هذا حسم لأطماعهم في العود إليها، أو للمقابلة؛ يعني ما هم بتاركي باطلهم، وما أنت بتارك حقك {وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} فلا أتفاق بين فريقيهم، مع كون الكل من بني إسرائيل.
قال الزمخشري: أخبر تعالى عن تصلب كل حزب فيما هو فيه وثباته عليه، فالمحق منهم لا يزلّ عن مذهبه لتمسكه بالبرهان، والمبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته في عناده، وفيه إراحة للنبي صلى الله عليه وسلم من التطلع إلى هدى بعضهم.

.سؤال: لم أضاف القبلة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: إضافة القبلة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى تعبده باستقبالها. اهـ.

.سؤال: من المخاطب في الآية الكريمة؟

الجواب: اختلفوا في المخاطب بهذا الخطاب، قال بعضهم: الرسول وقال بعضهم: الرسول وغيره. وقال آخرون: بل غيره، لأنه تعالى عرف أن الرسول لا يفعل ذلك فلا يجوز أن يخصه بهذا الخطاب، وهذا القول الثالث خطأ لأن كل ما لو وقع من الرسول لقبح، والالجاء عنه مرتفع، فهو منهى عنه، وإن كان المعلوم منه أنه لا يفعله، ويدل عليه وجوه. أحدها: أنه لو كان كل ما علم الله أنه لا يفعله وجب أن لا ينهاه عنه، لكان ما علم أنه يفعله وجب أن لا يأمره به، وذلك يقتضي أن لا يكون النبي مأمورًا بشيء ولا منهيًا عن شيء وأنه بالاتفاق باطل. وثانيها: لولا تقدم النهي والتحذير لما احترز النبي صلى الله عليه وسلم عنه فلما كان ذلك الاحتراز مشروطًا بذلك النهي والتحذير فكيف يجعل ذلك الاحتراز منافيًا للنهي والتحذير. وثالثها: أن يكون الغرض من النهي والوعيد أن يتأكد قبح ذلك في العقل، فيكون الغرض منه التأكيد ولما حسن من الله التنبيه على أنواع الدلائل الدالة على التوحيد بعد ما قررها في العقول والغرض منه تأكيد العقل بالنقل فأي بعد في مثل هذا الغرض ههنا. ورابعًا: قوله تعالى في حق الملائكة: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 29] مع أنه تعالى أخبر عن عصمتهم في قوله: {يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النمل: 50] وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلم: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وقد أجمعوا على أنه عليه الصلاة والسلام ما أشرك وما مال إليه، وقال: {يَا أَيُّهَا النبي اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1] وقال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] وقال: {بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] وقوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14] فثبت بما ذكرنا أنه عليه الصلاة والسلام منهي عن ذلك، وأن غيره أيضًا منهي عنه لأن النهي عن هذه الأشياء ليس من خواص الرسول عليه الصلاة والسلام بقي أن يقال: فلم خصه بالنهي دون غيره؟
فنقول فيه وجوه، أحدها: أن كل من كان نعم الله عليه أكثر، كان صدور الذنب منه أقبح، ولا شك أن نعم الله تعالى على الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر فكان حصول الذنب منه أقبح فكان أولى بالتخصيص. وثانيها: أن مزيد الحب يقتضي التخصيص بمزيد التحذير. وثالثها: أن الرجل الحازم إذا أقبل على أكبر أولاده وأصلحهم فزجره عن أمر بحضرة جماعة أولاده فإنه يكون منبهًا بذلك على عظم ذلك الفعل إن اختاروه وارتكبوه وفي عادة الناس أن يوجهوا أمرهم ونهيهم إلى من هو أعظم درجة تنبيهًا للغير أو توكيدًا، فهذه قاعدة مقررة في أمثال هذه الآية. اهـ.

.فوائد متفرقة:

الأولى: قال الراغب: إن قيل كيف أعلم بأنهم لا يتبعون قبلته وقد آمن منهم فريق؟ قيل: قال بعضهم: إن هذا حكم على الكل دون الأبعاض، وهذا صحيح؛ بدلالة أنك لو قلت: ما آمنوا ولكن آمن بعضهم، لم يكن منافيًا. وقيل: عني به أقوام مخصوصون.
الثانية: قال الراغب: في قوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} إشارة على أن من عرف الله حق معرفته، فمن المحال أن يرتد، ولذا قيل: ما رجع من رجع إلا من الطريق: أي: ما أخل بالإيمان إلا من لم يصل إيه حق الوصول.
إن قيل: فقد يوجد من يحصل له معرفة الله ثم يرتدّ!
قيل: إن الذي يقدّر أنه معرفة، هو ظن متصور بصورة العلم. فأما أن يحصل له العلم الحقيقي ثم يعقبه الارتداد فبعيد، ولم يعن بهذه المعرفة ما جعله الله تعالى للإنسان بالفطنة، فإن تكل كشررة تخمد إذا لم تتوقد.
الثالثة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، في بدائع الفوائد: قبلة أهل الكتاب ليست بوحي وتوقيف من الله. بل بمشورة واجتهاد منهم. أما النصارى فلا ريب أن الله لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيره باستقبال المشرق، وهم يقرّون بأن قبلة المسيح قبلة بني إسرائيل، وهي الصخرة، وإنما وضع لهم أشياخهم هذه القبلة، فهم مع اليهود، متفقون على أن الله لم يشرع استقبال بيت المقدس على رسوله أبدًا. والمسلمون شاهدون عليهم بذلك الأمر. وأما اليهود فليس في التوراة الأمر باستقبال الصخرة البتة، وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلون إليه من حيث خرجوا، فإذا قدموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه، فلما رفع صلوا إلى موضعه وهو الصخرة. وقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} بعد الإفصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله: {وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} كلام وارد على سبيل الفرض والتقدير؛ بمعنى: ولئن اتبعتهم، مثلًا، بعد وضوح البرهان والإحاطة بحقيقة الأمر: {إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: المرتكبين الظلم الفاحش.
وفي ذلك لطف للسامعين وزيادة تحذير واستفظاع لحال من يترك الدليل بعد إثارته، ويتبع الهوى، وتهييجٌ وإلهاب للثبات على الحق. أفاده الزمخشريّ.
تنبيهات:
الأول: قال الراغب: حذر تعالى نبيه من إتباع أهوائهم، ونبه أن إتباع الهوى بعد التحقيق بالعلم يدخل متحريه في جملة الظلمة، وقد أكثر الله تحذيره من الجنوح إلى الهوى حتى كرر ذلك في عدة مواضع. وقول من قال: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنيّ به الأمة، فلا معنى لتخصصه. فإن الله تعالى يحذر نبيه من إتباع الهوى أكثر مما يحذر غيره، فذو المنزلة الرفيعة إلى تحذير الإنذار عليه أحوج، حفظًا لمنزلته وصيانة لمكانته. وهو كلام نفيس جدًا.
الثاني: في الآية تنويه بشأن العلم؛ حيث سمى أمر النبوات والدلائل والمعجزات باسم العلم، فذلك ينبه على أن العلم أعظم المخلوقات شرفًا ومرتبة.
الثالث: دلت الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم؛ لأن قوله تعالى: {مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} يدل على ذلك. ذكره الرازيّ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}.
اتباع القبلة مظهر إيماني في الدين، فمادمت آمنت بدينك فاتبع قبلتك.. لا أؤمن بدينك لا اتبع قبلتك. وقوله تعالى: {ولئن أتيت} ساعة تسمع {ولئن} واو ولام وإن.. هذا قسم فكأن الحق تبارك وتعالى أقسم أنه لو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب بكل آية ما آمنوا بدينه ولا اتبعوا قبلته.. لماذا؟ لأنهم لا يبحثون عن دليل ولا يريدون الاقتناع بصحة الدين الجديد.. ولو كانوا يريدون دليلا أو اقتناعا لوجدوه في كتبهم التي أنبأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه النبي الخاتم وأعطتهم أوصافه.. فكأن الدليل عندهم ولكنهم يأخذون الأمر سفها وعنادا ومكابرة.
وقوله تعالى: {وما أنت بتابع قبلتهم}.. فكأنه حين جاءت بتغير القبلة أعلمنا الله أن المسلمين لن يعودوا مرة أخرى إلي الاتجاه نحو بين المقدس ولن يحولهم الله إلي جهة ثالثة.. ولكي يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى سيكونون في جانب ونحن سنكون في جانب آخر.. وأنه ليس هناك التقاء بيننا وبينهم. قال سبحانه: {وما بعضهم بتابع قبلة بعض}.. فالخلاف في القبلة مستمر إلي يوم القيامة. وقول الحق: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين}.. حين يخاطب الله سبحانه وتعالى رسوله وحبيبه محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه الآية.. وهو يعلم أن محمدا الرسول المعصوم لا يمكن أن يتبع أهواءهم.. نقول إن المقصود بهذه الآية هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن الله يخاطب أمته في شخصه قائلا: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذًا لمن الظالمين}.. ما هي أهواء أهل الكتاب؟ هي أن يهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقول إن ما حرفوه في كتبهم أنزله الله.. وهكذا يجعل هوى نفوسهم أمرًا متبعا.. فكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفت أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. إلي أن كل من يتبع أهواء أهل الكتاب وما حرفوه سيكون من الظالمين مهما كانت درجته من الإيمان.. وإذا كان الله تبارك وتعالى لن يقبل هذا من رسوله وحبيبه فكيف يقبله من أي فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن الخطاب هنا يمس قمة من قمم الإيمان التي تفسد العقيدة كلها.. والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أنه لا يتسامح فيها ولا يقبلها حتى لو حدثت من رسوله ولو أنها لن تحدث.. ولكن لنعرف أنها مرفوضة تماما من الله على أي مستوى من مستويات الإيمان حتى في مستوى القمة فتبتعد أمة محمد عن مثل هذا الفعل تماما. اهـ.

.من الحكم العظيمة والمنن الجسيمة في تحويل القبلة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
وكان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس ثم تحويلها إلى الكعبة حكم عظيمة ومحنة للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين.
فأما المسلمون فقالوا: سمعنا وأطعنا وقالوا: {آمنا به كل من عند ربنا} [آل عمران: 7] وهم الذين هدى الله ولم تكن كبيرة عليهم.
وأما المشركون فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا وما رجع إليها إلا أنه الحق.
وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله ولو كان نبيا لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء.
وأما المنافقون فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقا فقد تركها وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل وكثرت أقاويل السفهاء من الناس وكانت كما قال الله تعالى: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} [البقرة: 143] وكانت محنة من الله امتحن بها عباده ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه.
ولما كان أمر القبلة وشأنها عظيما وطأ سبحانه قبلها أمر النسخ وقدرته عليه وأنه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله ثم عقب ذلك بالتوبيخ لمن تعنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقد له ثم ذكر بعده اختلاف اليهود والنصارى وشهادة بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شيء وحذر عباده المؤمنين من موافقتهم واتباع أهوائهم ثم ذكر كفرهم وشركهم به وقولهم: إن له ولدا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا ثم أخبر أن له المشرق والمغرب وأينما يولي عباده وجوههم فثم وجهه وهو الواسع العليم فلعظمته وسعته وإحاطته أينما يوجه العبد فثم وجه الله.
ثم أخبر أنه لايسأل رسوله عن أصحاب الجحيم الذين لا يتابعونه ولا يصدقونه ثم أعلمه أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم وأنه إن فعل وقد أعاذه الله من ذلك فماله من الله من ولي ولا نصير ثم ذكرأهل الكتاب بنعمته عليهم وخوفهم من بأسه يوم القيامة ثم ذكر خليله باني بيته الحرام وأثنى عليه ومدحه وأخبر أنه جعله إماما للناس يأتم به أهل الأرض ثم ذكر بيته الحرام وبناء خليله له وفي ضمن هذا أن باني البيت كما هو إمام للناس فكذلك البيت الذي بناه إمام لهم ثم أخبر أنه لا يرغب عن ملة هذا الإمام إلا أسفه الناس ثم أمرعباده أن يأتموا برسوله الخاتم ويؤمنوا بما أنزل إليه وإلى إبراهيم وإلى سائر النبيين ثم رد على من قال: إن إبراهيم وأهل بيته كانوا هودا أو نصارى وجعل هذا كله توطئة ومقدمة بين يدي تحويل القبلة ومع هذا كله فقد كبر ذلك على الناس إلا من هدى الله منهم وأكد سبحانه هذا الأمر مرة بعد مرة بعد ثالثة وأمر به رسوله حيثما كان ومن حيث خرج وأخبر أن الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم هو الذي هداهم إلى هذه القبلة وأنها هي القبلة التي تليق بهم وهم أهلها لأنها أوسط القبل وأفضلها وهم أوسط الأمم وخيارهم فاختار أفضل القبل لأفضل الأمم كما اختار لهم أفضل الرسل وأفضل الكتب وأخرجهم في خير القرون وخصهم بأفضل الشرائع ومنحهم خير الأخلاق وأسكنهم خير الأرض وجعل منازلهم في الجنة خير المنازل وموقفهم في القيامة خير المواقف فهم على تل عال والناس تحتهم فسبحان من يختص برحمته من يشاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}.
قوله تعالى: {وَلِئَنْ أَتَيْتَ} فيه قولان:
أحدهما: قول سيبويه وهو أن اللام هي الموطّئة للقسم المحذوف، وإن شرطية، فقد اجتمع شرط وقسم، وسبق القسمن فالجواب له إذ لم يتقدمهما ذو خبر.
فلذلك جاء الجواب للقسم بما النافية وما بعدها، وحذف جواب الشرط لسدّ جواب القسم مسده، ولذلك جاء فعل الشرط ماضيًا؛ لأنه متى حذف الجواب وجب مضيّ فعل الشرط إلا في ضرورة، و{تَبِعُوا} وإن كان ماضيًا لفظًا فهو مستقبل معنى أي: ما يتبعون لأن الشرط قيد في الجملة والشرط مستقبل، فوجب أن يكون مضمون الجملة مستقبلًا ضرورة أن المستقبل لا يكون شرطًا في الماضي.
الثاني: وهو قول الفراء، وينقل أيضًا عن الأخفش والزجاج أن إن بمعنى لو، ولذلك كان {ما} في الجواب، وجعل {ما تَبِعُوا} جوابًا لإن لأنها بمعنى {لو}.
أما إذا لم تكن بمعناها، فلا تجاب بما وحدها، بل لابد من الفاء، تقول: إن تزرني فما أزورك.
ولا يجيز الفراء: ما أزورك بغير فاء.
وقال ابن عطية: وجاء جواب لئن كجواب لو، وهي ضدها في أنَّ لو تطلب المضي والوقوع، وإنْ تطلب الاستقبال؛ لأنهما جميعًا يترتب قبلهما القسم، فالجواب إنما هو للقسم؛ لأن أحد الحرفين يقع موضع الآخر هذا قول سيبويه.
قال أبو حيان: هذا فيه تثبيج، وعدم نصّ على المراد؛ لأن أوله يقتضي أن الجواب لإن، وقوله بعد: الجواب للقسم يدل على أنه ليس لإن، وتعليله بقوله: لأن أحد الحرين يقع موقع الآخر لا يصلح علة لكون {ما تَبِعُوا} جوابًا للقسم، بل لكونه جوابًا لإن.
وقوله: قول سيبويه ليس في كتاب سيبويه ذلك، إنما فيه أن {ما تبعوا} جواب القَسَم، ووقع فيه الماضي موقع المستقبل.
قال سيبويه وقالوا: لئن فعلت ما فعل، يريد معنى ما هو فاعل وما يفعل.
وتلّخص مما تقدم أن قوله: {مَا تَبِعُوا} فيه قولان:
أحدهما: أنه جواب للقسم سادّ مسدّ جواب الشرط، ولذلك لم يقترن بالفاء.
والثاني: أنه جواب لإن إجراء لها مجرى لو.
وقال أبو البقاء: {ما تَبِعُوا} أي: لا يتبعوا فهو ماض في معنى المستقبل، ودخلت {ما} حملًا على لفظ الماضي، وحذفت الفاء في الجواب؛ لأن فعل الشرط ماض.
وقال الفراء: إِنْ هنا بمعنى لو.
وهذا من أبي البقاء يؤذن أن الجواب للشرط وإنما حذفت الفاء لكون فعل الشرط ماضيًا، وهذا منه غير مُرْضٍ؛ لأنه خالف البصريين والكوفيين بهذه المَقَالَة.